بلدة ألمانية تقف بوجه النازيين الجدد بسبب وفاة لاجئ سوري
تنظيم وقفةٌ احتجاجية، كانت وسيلة سكان بلدة صغيرة في شرق ألمانيا، لتأبين فتىً سوري لاجئ توفي في حادث سيارة، وذلك بعدما احتفل نازيون جدد بمقتله عن طريق رسم صليب معقوف على الرصيف.
“مات طفلٌ هنا… نحن نعلن الحداد”… هذا كان الشعار الذي رفعه سكان بلدة شونبيرغ الصغيرة بشمال شرق ألمانيا، خلال وقفتهم الاحتجاجية، التي نظموها مؤخرا، بعد أن توفي فتى سوري لاجئ يبلغ من العمر تسع سنوات في حادث سيارة في حزيران/ يونيو الماضي. السبب الحقيقي لهذه الوقفة التي أقامها عمدة المدينة لوتز غوتزه على جانب الطريق كان الأحداث التي تلت وفاة الصبي.
فخلال شهر تموز/ يوليو اضطرت السلطات في البلدة إلى تنظيف الرصيف في موقع الحادث مرتين، بعد أن تم رسم إشارة “الصليب المعقوف” على الطريق، وهي رمز “النازية”، حيث قام الذين رسموا الإشارة في المرة الثانية، بكتابة “1-0” ، كما لو كانوا يحتفلون بوفاة الفتى.
السكان المحليون كانوا يسارعون لتغطية هذه الشعارات في كل مرة كان يرسمها النازيون الجدد بالزهور أو برسوماتٍ مختلفة، أو تحويله إلى رمز السلام، إلا أن الأمر قد استعصى في المرة الأخيرة ما دفع السلطات إلى استبدال حجارة الرصيف بعد أن استحالت إزالة الرسم والكتابات.
هذا الحادث شكل صدمة لدى المجتمع المحلي في شونبيرغ، التي لم يكن لها تاريخٌ معروف بالنازية أو معاداة الأجانب، كما هو معروفٌ عن مناطق قريبة منها كبلدة “جاميل” التي تبعد عنها 30 كيلو مترًا، وفي حال كان هناك “نازيون جدد” في البلدة فهم “تحت الرقابة” من قبل السلطات، بحسب ما يؤكد أحد رجال الشرطة في البلدة
هل هناك طابع “نازي” للبلدة؟
عمدة المدينة لوتز غوتزه علّق على الحادث خلال تواجده في الوقفة الاحتجاجية لـ”DW” بقوله: “لم أكن أتوقع ذلك أبداً، أنا مصدوم حقاً، موت فتى في التاسع أمرٌ سيءٌ بما فيه الكفاية، لكن التعليق عليه بأشياءٍ من هذا القبيل أمرٌ أسوء، إنه أمرٌ لا يصدق حقًا”.
ويضيف غوتزه “بعدما حدث، أصبح من الواضح أن هناك أشخاصٌ بيننا، لازالوا يطاردون (الشبح) القديم، وبالتالي هناك خطر من أن يتم إحياء هذه الموجة “النازية”، إذا جاز التعبير”، ويتابع “نريد مواجهة ذلك، لأننا لا نحتاج “النازيون الجدد” في هذه المدينة، ولا نريد أن تعم ثقافة “كراهية الأجانب”، ولذلك فإن هذه الوقفة الاحتجاجية هي إرسال إشارة إلى التعايش السلمي بين جميع الثقافات وكل البلدان في هذه المدينة”.
جماعات اليسار المحلية في المدينة نظمت هذه الوقفة الاحتجاجية التي تجمع فيها حوالي 60 شخصًا من جميع التوجهات والانتماءات السياسية.
العديد ممن شاركوا في الوقفة الاحتجاجية كالفنانة زيغريد ساندمان، كانوا مقتنعين أنه من واجبهم الخروج لإيصال صوتهم، تقول ساندمان لـDW “علينا أن نظهر الرفض لمتخذي شعار (الصليب المعقوف) وكل الأيديولوجيات اليمينية المتطرفة، لقد صُدمت للغاية، لم أكن أعرف كيف ينبغي أن يكون رد فعلنا، لذلك سعدت عندما تم تنظيم هذه الوقفة”.
“التطرف” أمام عيون الناس في شارع مزدحم
أفرام القادم من إريتيريا، والذي يعيش في البلدة منذ سنتين، كان هو من أبلغ عن وجود رسم “الصليب المعقوف” للمرة الثانية، أفرام لم يكن خائفًا من كونه أول من لفت النظر لهذا الرسم، خاصةً أنه رسم على رصيف في شارع مزدحم، فيه العديد من محلات السوبر ماركت، ويمر المئات من الناس عبره للتسوق كل يوم.
يروي أفرام كيف حدث ذلك لـDW ويقول: “كنت خارجًا للتو برفقة ابني من السوبر ماركت، كان ذلك في يوم سبت حوالي الساعة السابعة مساءً، فسألني ابني لماذا رسم شعار “الصليب المعقوف” على الأرض، فهو يعرف تمامًا ماذا يعني، ثم سألني ما الذي تعنيه (1-0)، لقد شعر أنه ليس أمرًا جيدًا”.
أفرام قام بإخبار منظمة “ابقى إنسانًا” التي تساعد اللاجئين، وهم بدورهم أبلغوا السلطات، بحسب يورغن إيفرز الذي يعمل مع المنظمة، حيث يقول إيفرز “لا أستطيع أن أتخيل أنه تم رسمه خلال اليوم، لذلك لا بد وأن هناك آخرون قد شاهدوه قبل أفرام”.
أفرام يؤكد أنه لم يكن لديه مشاكل في العيش في بلدة شونبيرغ خلال العامين المنصرمين أبدًا، كان يشعر أن البعض ينظر إليه على أنه غريب، لكنه لم يتعرض لأي موقف مخيف، ويقول “لست خائفًا، لكنني أعرف أن هناك قلة من الناس ضدنا”.
بعض “البلهاء” يسيئون لسمعة مكانٍ بأكمله!
أعلن ممثلو الادعاء أنهم اعتقلوا شابين تتراوح أعمارهما بين 22 و 23 عاماً، يعتقد أنهم على صلة برسم الشعار، وذلك بعد عدة شهادات من الناس، وقال ممثلو الادعاء في بيان “إنه بعد تفتيش منازل المشتبه بهم لم يتم العثور على دهان أو بخاخات، لكن الشكوك لا تزال قائمة بسبب نتائج تحقيق أخرى”، كما لم تعلن السلطات فيما إذا كان المشتبه بهما من أهالي بلدة شونبيرغ أم لا، حيث يتمنى العمدة غوتزه “ألا يكونا من شونبيرغ”.
السكان المحليون في شونبيرغ يصرون على أن “النازية” لا تعتبر ظاهرة في شونبرغ، حيث يؤكد صاحب محل من أصول تركية “على أنه تم تضخيم قصة “الصليب المعقوف” وأعتقد أن من قاموا بهذا هم شباب غير واعين لتصرفاتهم، ويجب أن يتم إرشادهم”.
بينما يرى بيرند راشنهوفت الذي يملك مكتبة في الساحة المرصوفة في شونبيرغ “الناس هنا يرددون أن بعض الأغبياء صبغوا القرية وبعض المناطق المحيطة بصبغة سيئة السمعة، لدينا عدد قليل من النازيين هنا، لا يمكن التخلص منهم، لكن الآن الكل أصبح يتحدث عنهم”.
يذكر أن رسم أو إظهار أي رموز “نازية” أمر يعاقب عليه القانون في ألمانيا، ويحق للاستخبارات الداخلية ملاحقة المتهمين بالتطرف.