كيف يستمتع الطلاب بالسفر وحرية التنقل في ألمانيا ؟
رغم قلة الإمكانيات المادية لدى الطلبة، إلا أنهم يحبون السفر والتنقل، تدفعهم لذلك الضرورة أحياناً، وحب الاستطلاع غالباً. فما الذي يدفع الشباب الألمان والأجانب المقيمين في ألمانيا للتنقل بطول البلاد وعرضها؟
يرتبط الخروج من المرحلة المدرسية للمرحلة الجامعية في ذهن الطلبة بالحرية، ويعتبر الألمان حرية التنقل أمراً لا غنى عنه في تلك الحقبة من العمر، فبالنسبة للطالبة إيلينا، يعد السفر فرصة للتعرف على أشخاص جدد وثقافات جديدة، كما يرى نيكلاس أن الدراسة في عدة مدن مختلفة داخل ألمانيا وخارجها مفيدة جداً لأنها تعطي الفرصة لتبادل الخبرات مع طلبة من مختلف الجنسيات والبلدان والثقافات. وفي عام 2010، أشارت الإحصائيات إلى أن حوالي 31 ألف طالب ألماني سافر في إطار مشروعات التبادل الطلابي.
ولا يقتصر الأمر على الطلبة الألمان، فكثير من الطلبة العرب يقدمون إلى ألمانيا لتعلم تخصص جديد أو لإكمال دراستهم والاستفادة بالخبرات الألمانية. عزيز الذي درس في المغرب، قرر أن يدرس مرة أخرى في ألمانيا، ودفعه إلى ذلك قبل كل شيء حب التجربة وروح المغامرة. فعزيز أراد أيضاً أن يرى طريقة العيش في بلد آخر، وهو يرى بطبيعة الحال أن الفارق بين الدراسة في ألمانيا وفي الدول العربية “كبير جداً”، وأهم ما لفت نظره هو أن “كل الظروف مؤهلة في ألمانيا وتحبب الطلبة في الدراسة”.
السكن الجماعي ضرورة للطلبة، ولكن..
وفي ألمانيا خاصة، يعد التنقل من مدينة إلى أخرى أمراً طبيعياً بالنسبة لكثير من الطلبة، فالجامعات موزعة بطول البلد وعرضها، ولكل جامعة تخصصات مختلفة عن الأخرى، الأمر الذي اضطر إيمان، السورية المولودة في ألمانيا، أن تترك بيت أهلها وتبحث عن سكن جامعي لتنتقل للدراسة في مدينة تبعد ساعتين عن مسكن أهلها، ولم يكن الأمر سهلاً بالنسبة لها في أول الأمر، إذ أن العيش مع أشخاص غرباء يضطر المرء للقيام بتنازلات، فهي تروي قائلة: “على المرء أن يتأقلم على الحياة مع شخص آخر، فقد سكنت مع طالبة عربية أخرى أيضاً، لم تكن تقوم بدورها في التنظيف كما أنها كانت تكره رائحة الطبخ مثلاً، خاصة في المساء، وهو ما كان يضطرني أحياناً إلى تأجيل مشروع الأكل لليوم التالي”.
تجد إيمان أن السكن مع آخرين يقيد المرء، لكنه أمر لا غنى عنه بالنسبة للطلبة الذين ينتقلون للعيش في مدينة أخرى، لأنه أرخص ثمناً. أما الشابة المصرية مي، فهي بعد أن سكنت في بيت للطلبة، وعانت من تلك الصعوبات نفسها، انتقلت للعيش وحدها. لكنها تشير أيضاً إلى أن السكن المشترك له فائدة كبيرة، حيث يسمح بالتعرف على طلبة من كل البلدان وهو ما يساعد الشخص على الانفتاح على الحضارات والثقافات الأخرى. وتتفق مي في ذلك مع الطالبة تيانا، التي توضح أن السكن الجامعي سمح لها بالتعرف على “أشخاص رائعين”، خففوا من شعور الغربة لديها. وتضيف تيانا: “نعيش هنا في جو من الألفة والسلام والتسامح والاحترام المتبادل رغم تعدد الثقافات. لو كان كل العالم مثل هذا المكان لتغيرت الحياة”.
الدراجة وسيلة التنقل المفضلة لدى الطلبة الألمان
ولا يتطلب الأمر التنقل فقط من مدينة لأخرى، لكن على الطلبة أيضاً أن يتمتعوا بالمرونة وسرعة الحركة حتى داخل المدينة الجامعية نفسها، فالمسافات بين المباني التابعة للجامعة أحياناً ما تكون كبيرة جداً، لذلك يلجأ كثير من الطلبة الألمان إلى الدراجة التي تعد من وسائل المواصلات المحببة لديهم. هذا الأمر يعد غريباً بالنسبة لكثير من الطلبة القادمين من مدن كبرى مثل بيتر القادم من سيدني والذي يقول: “ليس من السهل التحرك بالدراجة في استراليا، لأن المدن ضخمة والمسافات كبيرة وليست هناك مساحات مخصصة للدراجات مثلما هو الحال في ألمانيا. وبالتالي قيادة الدراجات هناك أمر خطر جداً. وقد فاجأتني أعداد الدراجات في الشوارع الألمانية عند وصولي إلى هنا”. وتوافقه الرأي مي القادمة من القاهرة، والتي تشير إلى أنه لا يمكن التحرك هناك سوى بالحافلات أو المترو أو السيارات الخاصة. ولا يختلف رأي مي كثيراً عن رأي ميرندا القادمة من ميسوري الأمريكية، والتي ترى أن ما يميز ألمانيا هو وجود وسائل مواصلات متعددة.
لكن وجود مي في ألمانيا شجعها على تعلم قيادة الدراجات وهي الآن الرياضة المفضلة لديها كما أنها “وسيلة مواصلات مفيدة وموفرة” على حد قولها، وهي تشير إلى أن الأمر كان صعباً في البداية، لأنها معتادة على الشوارع الخطرة في القاهرة، لكنها تعودت وأصبحت تستمتع بتلك الرياضة الجميلة كما أنها تشعر بمزيد من الاستقلالية والإنجاز لأنها تتحرك “بكفاءتها الشخصية دون محرك”.
وسائل مواصلات متعددة وتسهيلات للطلبة
ورغم قدوم طالب الهندسة الطبية عزيز من مراكش المشهورة بالدراجات، إلا أنه لا يحب هذه الرياضة ويفضل التنقل بالوسائل الأخرى، ويقول في هذا الإطار: “وسائل المواصلات في ألمانيا ممتعة، سواء القطار أو المترو أو الحافلات وكذلك السير على الأقدام وسط الطبيعة الخلابة خاصة في مدينة بون يعد أمراً ممتعاً”. ويشير عزيز أيضاً إلى أن هناك تذاكر سفر مخفضة للطلبة، ما يشجعهم على التنقل أكثر. وهو ما توافق عليه إيمان، التي تشير إلى أن كونها ولدت في ألمانيا جعلها تنظر لكل تلك التسهيلات المتوفرة للطلبة في ألمانيا كأمور مسلم بها، لكن حديثها مع الطلبة القادمين من الخارج يجعلها تقدر هذه الإمكانيات.
وتقارن الشابة السورية الأصل الأمر بالعطلات الصيفية التي تقضيها في سوريا قائلة: “بالتأكيد السفر في سوريا فيه مشقة، فأنا من حمص والسفر لدمشق التي تبعد ساعتين فقط فيه مشقة كبيرة، على عكس الأمر في ألمانيا حيث القطارات المريحة التي تسمح بقضاء حتى الرحلات الطويلة دون شعور بالتعب”.
وبالإضافة إلى الطرق التقليدية في السفر، هناك السفر المشترك مع أحد أصحاب السيارات، حيث يمكن للشخص البحث عن عروض من أشخاص يسافرون إلى جهة ما والركوب معهم مقابل مبلغ مادي بسيط، وهو ما قامت به مي عدة مرات، وهي تعتبر نفسها جرئيه لذلك لم تكن تخشى تلك الطريقة، كما أنها لم تسمع أي قصص سلبية من أصدقائها بهذا الخصوص. أما إيمان فهي لم تجرب هذه الطريقة سوى مرة واحدة واختارت سيارة كل من بها فتيات، لكنها لا تشعر بالراحة لتلك الفكرة. الاسترالي بيتر يرى في هذه الطريقة فرصة ممتازة للتنزه في كل أنحاء البلاد بسعر أرخص من القطارات. ويوافقه الرأي عزيز الذي كان يلجأ لهذه الوسيلة معظم الوقت، خاصة قبل حصوله على بطاقة الطالب التي تجعله يحصل على بطاقات السفر بسعر مخفض.